التنمّر: أسبابه، أنواعه، وتأثيره على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين

التنمّر ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو جرح نفسي يمسّ كرامة الإنسان، ويهدد ثقته بنفسه، خاصة في مراحل الطفولة والمراهقة. في هذا المقال، سنكشف عن وجه التنمّر: أنواعه، أسبابه، مخاطره، وكيف نحمي أبناءنا، أو حتى أنفسنا، من سُمّه الصامت.
التنمّر: جرحٌ صامت في روح الآخرين

في زوايا المدرسة، في ساحات اللعب، وحتى خلف شاشات الهواتف… ينمو التنمّر بصمت، ويتسلل إلى القلوب الصغيرة قبل أن يراه أحد. كلمة قاسية، نظرة سخرية، ضحكة استهزاء، أو تجاهل متعمّد… قد تبدو تفاصيل عابرة، لكنها تترك ندوبًا لا تندمل. هناك من يمارس قسوته على الآخرين، دون أن يشعر، أو ربما يشعر ويتعمّد. إنه التنمر.
ما هو التنمر؟
كلمات مثل ‘أنت غبي’ أو ‘ما عندك قيمة’ قد تُقال في لحظة، لكنها تظل محفورة في القلب لسنين.
التنمر، ذاك السلوك الذي يُمارَس بالكلمات أو الأفعال، والذي لا يترك آثارًا ظاهرة على الجسد، لكنه يُحدث ندوبًا عميقة في النفس. التنمّر هو تعمّد إيذاء شخص آخر نفسيًا أو جسديًا أو لفظيًا، بطريقة متكرّرة، بهدف التقليل من شأنه أو إشعاره بالخوف أو الإهانة. يتخذ التنمّر أشكالًا متعددة:
- تنمر لفظي: مثل السخرية، إطلاق الألقاب المهينة، الشتم.
- تنمرجسدي: كالضرب، الدفع، التهديد بالإيذاء.
- تنمر نفسي: كالعزل، التجاهل المتعمّد، نشر الشائعات.
- تنمر إلكتروني: كإرسال رسائل مسيئة، التشهير، أو السخرية على منصات التواصل الاجتماعي.
من يتعرض للتنمّر؟

التنمّر لا يميّز بين الناس، لكنه غالبًا ما يستهدف:
- الأطفال المختلفين في الشكل أو اللون أو اللغة.
- المراهقين الذين يعانون من ضعف الثقة بالنفس.
- الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
- حتى الكبار في العمل أو العائلة إذا كانوا حساسين أو هادئين.
لا أحد محصّن من التنمّر، وأخطر ما فيه أنه يُمارَس أحيانًا داخل البيوت، بين الإخوة، أو حتى من الوالدين تجاه الأبناء دون وعي.
ما هي آثار التنمّر؟
التنمّر ليس مجرد كلام… بل جرح لا يُرى
آثار التنمر ليست مؤقتة، بل قد ترافق الإنسان طيلة حياته:
- انخفاض الثقة بالنفس
- القلق والاكتئاب
- الانعزال الاجتماعي
- تدنّي الأداء الدراسي أو المهني
- في بعض الحالات، قد يؤدي التنمّر إلى إيذاء النفس أو الانتحار
فكلمات مثل “أنت غبي”، “أنت قبيح”، أو “ما عندك قيمة” قد تبقى عالقة في الذاكرة إلى الأبد، وتشكّل نظرة الشخص إلى نفسه.
لماذا يتنمّر البعض؟
من الأسباب التي تدفع الناس لممارسة التنمّر:
- الضعف الداخلي: بعض المتنمّرين يشعرون بالدونية، فيمارسون العنف لإثبات قوتهم.
- الغيرة أو الحسد
- التربية القاسية أو الإهمال
- التقليد أو التأثّر بالمحيط (خصوصًا في المدارس أو عبر الإنترنت)
- غياب الوعي أو المساءلة
لكن مهما كانت الأسباب، لا شيء يبرّر إيذاء الآخر عمدًا.
كيف نواجه التنمّر؟

1- التثقيف والوعي
نعلّم أبناءنا منذ الصغر أن الاختلاف لا يعني الضعف، وأن القوة الحقيقية في الاحترام لا في السخرية.
2- الحديث عن التنمّر
علينا أن نخلق مساحة آمنة في البيت أو المدرسة لنتحدث فيها عن مشاعرنا، عن المواقف التي تُؤذينا، وأن نقول بصوت عالٍ: “هذا تنمّر، وأنا أرفضه.”
3- الدعم النفسي
من يتعرّض للتنمّر يحتاج إلى الدعم، وليس إلى نصائح مثل: “لا تهتم”، أو “كن قويًا”. أحيانًا مجرد الإصغاء بإحساس يُعيد بناء ما هدّمه الآخرون.
4- المساءلة
سواء في المدارس أو العمل أو العائلة، لا بد من وجود أنظمة تحاسب وتردع المتنمّرين، وتوفر الحماية للضحايا.
في الختام: التنمّر ليس مجرد “مزحة ثقيلة” أو “كلام عابر”، بل هو أذى مقنّع قد يدمّر الأرواح بصمت. أن نضحك على حساب مشاعر غيرنا، ليس ذكاءً ولا خفة ظل، بل قسوة في شكل ضحكة.
فلنكن صوتًا لمن لا صوت لهم، سندًا لمن انكسروا، ولنربّي أجيالًا تعرف أن الاحترام هو القوة الحقيقية.